سلطة الماء.. وحكمة السماء

سلطة الماء ..
وحكمة السماء
كاظم المقدادي
اثار انتباهي تصريح وزير الموارد المائية القائل :
ان العراق انتقل من “شحة” الماء إلى – ندرة -الماء .. اما “وفرة ” مياه بلاد الرافدين فأقرأ عليها السلام ، لكن معالي الوزير تحاهل ان تركيا بما لها من البحار والمضايق والبحيرات والانهار ، والمطر يتساقط عليها صيفاً وشتاء ، كانت ومازالت تعمل على معالجة موضوع الماء .. وفق أسلوب ( الندرة ) بكل حرص وًاعتناء .
في العراق .. وبسبب تقاعس السياسيين العراقيين عن المطالبة بحقوق العراق المائية بالحق والكمال ..وإنشغالهم بتقاسم المناصب والمنافسة المستعرة على السلطة والمال ، ولغياب الحرص الجاد لمعالجة شحة المياه ، على المستوى الرسمي وحتى الشعبي ، فالماء ظل مهدوراً في الشوارع ، وفي بيوت لا توجد فيها عدادات منزلية ، وتذهب مليارات المكعبات هباءً مع استخراج النفط بالمياه العذبة ، تضاف إلى الهدر احواض الأسماك المائية التي تدار من قبل احزاب السلطة .. لهذا كانت وما تزال القضية معقدة مجهولة الحل ، بفعل اسباب كثيرة غير منطقية .
الماء العراقي يا سادتي .
والماء سلاح في اقامة السدود ، وفي المعارك والحروب ، وعطش عاشوراء ، وحصار موكب الامام من فعل اتباع سلطة يزيد .. واليوم ويا لسخرية القدر .. يعاني العراقيون من جديد من شحة الماء وندرته في زمن أردوغان ، وحكام ايران ..!!
وهكذا ظل الماء سلاحاً من الأسلحة التي استخدمت على ارض العراق ..من عصر الاستبداد الأموي ، إلى عصر التعسف التركي ، والصلف الإيراني .
تلك الايام والحوادث والمواجهات الموجعة والدامية التي جرت في واقعة الطف تستدعينا ونحن على مشارف انتهاء أربعينية سيد الشهداء الحسين عليه السلام .. أن نستذكر ونحلل ، وان لا نقف عند النتائج دون الرجوع إلى الاسباب التي أوصلتنا إلى هذا الواقع الموجع والمرير .
علينا تحليل اسباب الخذلان والتراجع الخطير الذي حصل بين صفوف انصار الحسين .. بعد ان وصل عدد الرسائل قرابة العشرين ألف رسالة ، تجمعت كلها وسط الكوفة ، وأستلمها ابن عمه مسلم بن عقيل .. من بداية تحلق اهل الكوفة حوله ، ومن الذين بايعوه على إمرة الامام الحسين ونصرته ، ويومها سارع النعمان بن بشير أمير الكوفة مخاطباً اهلها محذراً من الخروج عن طاعة الخليفة ، فأرسل إلى يزيد بن معاوية ليعلمه بالأمر ، فأستشعر يزيد ضعف موقف النعمان بن بشير وتردده في مواجهة انصار الحسين ، فعزله وولى عبيد الله بن زياد مكانه..!!
ونودي في الناس ( الصلاة جامعة ) فتقاطروا إلى المسجد ، وخطب فيهم عبيدالله بن زياد مبيناً ..
” ان يزيداً قد ولاه امرهم .. عندها
بدأت مرحلة التخاذل المؤلمة ، وبدأ الشك يدب في النفوس الحائرة ، حتى اخذت الأعدادبالتناقص ، من الآلاف إلى المئات إلى العشرات..!!
ضعف موقف مسلم بن عقيل ، وبات في حيرة من أمره ، فقبضوا عليه وجردوه من سيفه ، واشتد قلقه على الامام الحسين الذي كان في طريقه إلى كربلاء ، وهو لايدري بالتطورات السريعة التي حدثت بالخفاء ، على أرض الكر والبلاء ..!!.
هنا. لا بد من وقفة لدراسة سايكولوجية الجماهير التي تلخصت بقول الشاعر الفرزدق الذي التقى الحسين ، وسؤال الإمام عن امر الناس فقال الشاعر الفرزدق كلامه المأثور :
( قلوب الناس معك .. وسيوفهم مع بني أمية ، والقضاء ينزل من السماء ، والله يفعل ما يشاء ).
والسؤال الكبير .. لماذ حدث هذا التراجع والخذلان في صفوف شيعة الامام ،وكم نحتاج إلى بحوث علمية ودراسات معمقة لتحليل ظاهرة تزلف الناس لصاحب السيف والمال وسلطة الباطل ، وعدم مناصرة إمام المباديء وسلطة الحق ..!!
وكيف تجرأ يزيد ان يفعل مثل الفعل الشنيع بحق سبط النبي الأثير .. في واقعة دموية تسببت بشرخ ديني ومذهبي وشر مستطير .
اعتقد .. ان دراسة هذه الظواهر المدمرة ، وبوعي جديد ، تستدعينا الى التفكير طويلا ، لأخذ العبر والإفادة من دروس التاريخ ، بدلاً من الأنشغال المستمر بموضوع زيادة الملايين من المواكب و الزائرين .. وبتغيير نمط التفكير ، في أصول النحل والملل وهندسة الطغاة ، وغياب العدالة ، وطبائع الاستبداد ، و التوريث السياسي الأموي المقيت ، المستمد من تقاليد العائلة والقبيلة والعقيدة المرتبطةبالغنيمةً .
في نهاية المطاف .. وقف الامام الحسين وحيداً امام باب خيمته في كربلاء ، بعد ان استشهد كل من حوله ، وهنا قال عبارته الشهيرة :
” الناس عبيد الدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم ، يحوطونه ما درت معايشهم ، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون”.
هذه العبارة كان لها من المغزى كبيراً، ومن المعنى عظيماً ، لأنها اختزلت فلسفة ونبل القائد ، وشجاعته والتمسك بمبادئه ، وهو الذي وقف بكل إباء وإصرار مجابهاً الخطر الذي أحلّ به .
في كل القراءات التي مرت علينا ، هناك من يؤكد على البعد السياسي في معركة الحسين ويجرده من البعد الديني ، ويرى الحل في عدم الإنجرار إلى الفخ الذي نصبه يزيد ، وان يكون حقن دماء المسلمين هو الحل ، كما فعل اخوه الحسن عليه السلام الذي بايع يزيد ، لكنه مات مسموماً..!! .
كان لخروج الحسين عليه السلام مهمة تتلخص بإصلاح الامة ، والحد من طغيان يزيد هو الموقف الاخلاقي المطلوب ، وهو بذاته واجب ديني ، ومهمة إنسانية .
كان المسلمون جميعاً ، واجهوا وبعد وفاة النبي محمد ، وتحت سقيفة بني ساعدة ، اشكاليات السلطة ، بين الشورى والتوريث وطبيعة الحكم السياسي الرشيد، لكن بنو أمية هم من اخترعوا لعنة التوريث ، واغلقوا منافذ الاجتهاد والتوصيف ..!!